Site icon هاشتاغ

ما وراء “تمرد” فاغنر!

فاغنز

ما وراء "تمرد" فاغنر!

هاشتاغ-أيمن علوش

حبس العالم أنفاسه لمدّة ٢٤ ساعة وهو يتابع أحداث روسيا مع ما سمّي “بالانقلاب العسكريّ”، وبينما وجد فيها الغرب المأزوم من جراء الحرب الروسيّة على أوكرانيا الفرصة المناسبة لانشغال روسيا بحرب داخلية تُضعفها على الجبهة الأوكرانية، وربما تضعف روسيا كدولة عظمى، وضع الطرف الآخر المؤيد لروسيا يده على قلبه وهو يسمع تهديدات بريغوجين وأخبار سيطرة قواته على مدينة روستوڤ ووصولها إلى مسافة ٢٠٠ كم عن العاصمة الروسيّة موسكو.

كلمة الرئيس الروسي بوتين لم تطمئن جمهوره ومحبّيه كما يجب. تحدّث بوتين عن خيانة ڤاغنر والطعن من الخلف، ولكن على الأرض لم يكن هناك ما يقول إن الرئيس بوتين قد اتخذ الإجراءات العسكريّة اللازمة لضرب قوات فاغنر المتقدّمة على الأرض، فكلّ ما سمعناه هو حشد للآليات المدنيّة على الطريق الرئيسي إلى موسكو لتعطيل حركة قوات ڤاغنر، في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الروسيّة تواصل القيام بمهامّها في أوكرانيا من مطار روستوڤ دون أي إعاقة من قوات ڤاغنر.

الغرب الذي أراد أن يصدّق أن روسيا على وشك انقلاب يطيح بالرئيس بوتين ويحقق له ما فشل بتحقيقة في عام ونصف من الدعم العسكري لأوكرانيا والعقوبات على روسيا بدأ بإظهار مقدراته الاستخباراتية، فتحدّث عن رصده لتحركات لمجموعة ڤاغنر لعدة أشهر وعن نشاطات ضمن الجيش الروسي وعن اتصالات مع بعض المعارضة. كان الغرب يريد أن يعطي الانطباع أنه على دراية بكلّ ما يحصل وبأنّ خيوط هذا الانقلاب مربوطة إلى حدّ كبير بيديه.
من يحلّل شخصيّة الرئيس بوتين ويطّلع على تاريخه كرئيس لوكالة الأمن الفدرالية ومن ثمّ سكرتيراً لمجلس الأمن الروسي، ليبدأ بعد ذلك صعوده الصاروخي إلى القمة، لا يمكن أن يقبل هذا السرد لانقلاب طبّاخه عليه بهذه البساطة. إن بوتين هو اجتماع رجل المخابرات ورجل السياسة ورجل عصر المافيات الروسيّة في رجل واحد، وجميعنا يعرف كيف نهض بشتات الاتحاد السوفييتي ليجعل من روسيا الاتحادية دولة متطوّرة ولها ثقلها على الساحة الدوليّة.

إنّ العلاقة بين بوتين وبريغوجين هي أكثر من أن يُغري فائض القوّة لدى مجموعة ڤاغنر رئيسها بريغوجين ليفكّر بتوجيه قواته نحو موسكو لإسقاط بوتين وتعيين رئيس جديد، وإن كان قد كَتب ذلك في تغريدة له قبل أن يقوم بحذفها، وڤاغنر هي صناعة بوتينيّة بامتياز، فزعيمها خرج من بين يدي بوتين، وعناصرها من سجونه، وسلاحها من مؤسّسته العسكرية، ومواردها من نسج سياساته في مناجم الذهب في الدول الأفريقيّة التي لجأت لبوتين، أو امتدت يد بوتين إليها في السودان ومالي وأفريقيا الوسطى ومدغشقر وموزنبيق.

كما كانت ڤاغنر ذراع بوتين العسكري في عام ٢٠١٤ للسيطرة على شبه جزيرة القرم، ولاستعادة حقول النفط والغاز في سورية ودعم حليفها حفتر في ليبيا وحماية الرئيس الفنزويلي مادورو وحقول النفط في فنزويلا واستعادة مناطق من جنوب وجنوب شرق أوكرانيا. كلّ هذا يقول أنّ ما بين بوتين وبريغوجين أكثر بكثير ممّا تمنّاه أعداء بوتين وروسيا.

كما في كلّ معركة، فإنّه يتمّ البدء بالقصف التمهيدي باتهام بريغوجين لوزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف بنقص إمداد مجموعته بالسلاح اللازم ومن ثمّ ليتطوّر هجومه عليهما باتهامهما بقصف قواته من الخلف مطالباً بإقالتهما وتحريك قواته من أجل تحقيق هذا الهدف قبل أن يتطور لاحقاً.

حتى نفهم جيداً ما حصل لا بدّ من وضع كامل الحدث في ميزان الربح والخسارة لكلا الطرفين: بوتين وبريغوجين، فماذا كسب كلّ منها؟

أعتقد أنّ بريغوجين لم يحصل على أكثر ما كان يحصل عليه أصلاً ولسنوات طويلة كذراع لبوتين، وإذا كانت الحدث الأخير قد أبرز تعاظم قوّته فإن بوتين نفسه هو من أراد له ذلك بسيناريو محكمٌ بحبكته. وعل المقلب الآخر نسأل أنفسنا: ماذا كسب بوتين وقد أظهر الحدث قوات فاغنر وهي تشقّ طريقها نحو موسكو وتصل مشارفها تحت تهديد رئيسها بتغيير الرئيس؟

وإذا كان كما يقال بأن “الأمور بخواتمها”، فكيف سار تمرّد فاغنر؟ وكيف انتهت الأمور؟

معركة بريغوجين نحو موسكو لم تكلّف موسكو ما يذكر، ولكنها أكسبت بوتين الكثير، فقد وضع الحدث أمام الرئيس بوتين خارطة الأعداء في الداخل والخارج، سواءً من أطلق مواقف علنيّة أو من تواصل من بريغوجين من الداخل ليعلن دعمه له، أو مواقف الدول ومساحة اطلاعها ومستوى فهمها لقوة بوتين وإمكانية العبث بالوضع الداخلي الروسي، وأعتقد أن بوتين كان بحاجة لذلك؛ فالحرب الروسيّة قد طالت أكثر من المتوقّع لها بعد أن تحوّلت من حرب مع أوكرانيا إلى حرب مع دول الناتّو مجتمعةً، وهذا قد يفرض حرباً طويلة في الوقت الذي سيخوض فيه معركته المقبلة للانتخابات الرئاسيّة في مطلع العام القادم.

كما أن الحدث الأخير قد أظهر، ليس فقط جماعة ڤاغنر، بل أيضاً “قوات أحمد” الشيشانيّة، كقوّة ضاربة في يد بوتين، فقد بدا واضحاً أنه يمسك بمفاتيح تحركهما بمنتهى الدقّة، وهذا ما جعله غير مضطرّ لإظهار قوته العسكريّة على قوات فاغنر وهي تسيطر على روستوف وتتّجه نحو موسكو.

أعتقد أن رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو قد لعب القسم المتمّم لخطة بوتين بأن كان وسيط تسوية حصل بريغوجين بموجبها على المطالب التي أراد بوتين نفسه منحها لـ بريغوجين وعناصر ڤاغنر ، ففتح أبواب بيلاروسيا لهم، وهذا بتقديري يؤمّن وصولاً آمناً لعناصر فاغنر إلى مناطق لا تبعد عن العاصمة الأوكرانيّة كييف أكثر من ٢٠٠ كم، من جهة، وعلى حدود دول الناتو، من جهة أخرى، دون أن تكون روسيا مسؤولة بشكل مباشر عن أعمالهم، وأعتقد أنه سيكون نموذجاً يحاكي بشكل ما تجربة حز..ب الل..ه في لبنان، وأعتقد أن في تصريحات ألمانيا “استعدادها لنشر لواء عسكري قوي في ليتوانيا” ليس إلّا استدراكاً منها لمخاطر محتملة من جماعة فاغنر، سواءً من الشرق الروسي أو الشرق البيلاروسي.

أعتقد أنّ بوتين اليوم بات أكثر تحصيناً من أي وقت مضى، وأعتقد أن الفترة القادمة وصولاً إلى يوم الاستفتاء ستشهد بعض القرارات الداخلية التي تحصّن وتقوّي وضعه الداخلي بما يمكّنه من اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة في الحرب على أوكرانيا.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version