Site icon هاشتاغ

مكاتب السفر في سوريا.. منصات للاحتيال “بتضرب ضربتها” وتستغل هوس الشباب السوري للهروب والعمل

مكاتب السفر في سوريا

مكاتب السفر في سوريا.. منصات للاحتيال

هاشتاغ – حسن عيسى

في زاوية مظلمة من زوايا شقته المتواضعة في اللاذقية، يجلس محمود (32 عاماً)، يتأمل بصمت الأوراق المتناثرة أمامه – الوثائق التي كانت يوماً تمثل أمله في حياةٍ أفضل.

مهندس الاتصالات، والمزارع الشاب، كان قد جمع ألفي دولار، مدخرات عمره، ودفعها لمكتب سفر غير مرخص وعده بالعمل في سلطنة عمان، لكن الوعود تبخرت، والمكتب اختفى، تاركاً محمود وأحلامه في حالةٍ من الضياع.

الوسيط المغري

في غمرة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بسوريا، يبرز هوس الشباب السوري بالبحث عن فرص العمل في الخارج كملاذٍ للنجاة من واقع معيشي قاس.

مكاتب السفر، التي تنتشر في أرجاء البلاد، تلعب دور الوسيط المغري الذي يعد بالاستقرار والنجاح الاقتصادي في بعض الدول العربية، مقابل جزء من تكاليف السفر ونسبة من رواتب الشباب الطامحين.

يروي محمود، كيف تلاشت أحلامه بعد أن دفع مدخراته لمكتب سفر وهمي، فيقول لـ “هاشتاغ”: اضطررت للتعامل معهم كونهم قدموا عروضاً تتناسب مع ما كنت أملكه، في البداية قدموا لي العديد من الوثائق التي تثبت صحة ادعاءاتهم، وما دفعني لتصديقهم أكثر أنهم وضعوا إعلاناً على إحدى أكثر المحطات الإذاعية شهرةً في البلاد، حتى دفعت لهم كامل المبلغ ومن ثم اختفوا”.

تتضمن عروض بعض مكاتب السفر في سوريا دفع جزء من تكلفة السفر، بالإضافة إلى اقتطاع باقي التكاليف من راتب المسافر عند تأمين عمل في إحدى الدول العربية، فضلاً عن مزايا عديدة ساهمت في استقطاب تلك الشريحة من الشباب واستغلال حاجتهم لهذه الخطوة.

يقول “وائل” مدير لأحد تلك المكاتب، ولكن المرخصة في حديثه لـ “هاشتاغ”: “أغلب عروض السفر تبدأ بألف دولار، وهذا المبلغ يمثل جزء من التكلفة الكلية التي تحددها وجهة المسافر، وذلك يشمل موافقة الدخول وتذكرة الطائرة والإقامة، أما ما يتعلق بعقد العمل فهذا الأمر مرتبط بالجهة التي يتم التنسيق معها لإيفادها بالعمالة، وعلى هذا الأساس يتم حساب ما سيتم قطعه من راتب الشخص”.

ويتابع: “لا يوجد عقود عمل في جميع الوكالات وفي جميع الوجهات على عكس ما يتم الترويج له، فهذا الأمر ليس دائم نظراً لأن أغلب البلدان التي تقدم تصاريح دخول للسوريين بات لديها فائض في العمالة، في البداية كانت المكاتب تقدم عروض العمل مع السفر بشكل وافر أما الآن فالأمر أصبح نادراً”.

واقع قاسٍ

علي (27 عاماً)، أحد أولئك الشبان الذين وجدوا الحصول على فرصة عمل في الخارج مقابل التضحية بجزء من راتبه أفضل الخيارات المتاحة، وعلى الرغم من أنه أكمل العامين كنادلٍ في أحد مطاعم أربيل إلا أنه لم ينته بعد من إيفاء التزاماته للمكتب الذي سافر عن طريقه.

ليس هذا وحسب، علي اليوم بات مهدداً مع الآلاف من الشبان السوريين المتواجدين في إقليم كردستان العراق بالترحيل إلى بلادهم، بعد ورود أنباءٍ حول نية حكومة الإقليم وقف تجديد إقامات السوريين العازبين أو إعطاء إقاماتٍ جديدة.

ويقول علي لـ “هاشتاغ”: “أنا والكثير من أقراني السوريين بتنا هنا في موقفٍ لا نحسد عليه، إن كانت الأخبار المتداولة صحيحة فالكثير منا أصبح أمام خيارين أحلاهما مر، إما العودة إلى سوريا والدخول في متاهة الخدمة الإلزامية التي هربنا منها أو الدخول إلى بغداد بطريقة غير شرعية ومواجهة مصير مجهول وقاسٍ”.

مكاتب تعمل في الخفاء

على الرغم من أنه غالباً ما يتطلب الحصول على تصاريح رسمية لتأسيس مكاتب سفر، إلا أن هناك بعض المكاتب التي تعمل في الخفاء دون ترخيص رسمي، في حين تعتبر صفحات هذه المكاتب على مواقع التواصل الاجتماعي وسيلةً شائعة لجذب عملاء جدد.

أحد هذه المكاتب شبكة غير مرخصة تقدم خدمات سفر للشباب في سوريا، ويعمل القائمون عليها بأسماء وعناوين وهمية، إلا أنهم يقدمون خدماتٍ واقعية يعتبرها بعض الشبان أقل تكلفةً مما تقدمه المكاتب الأخرى.

ويقول “تيسير” (اسم مستعار) مدير هذه الشبكة إنه يستخدم تقنية التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لخدماته.

وتتضمن الطريقة التي يعمل بها هذا النظام غير المرخص تأمين فرص عمل للشباب في إحدى الدول العربية، حيث يستخدمون رواتبهم لسداد باقي تكاليف السفر التي لا يغطيها المكتب، في حين تكمن أرباح هذه الشبكة في استقطاب عددٍ كبيرٍ من الشباب وتحصيل نسبةٍ مئوية من رواتبهم.

ويعتبر تيسير في حديثه لـ “هاشتاغ” أن سبب عمل هذه الشبكات دون ترخيص يعود إلى قضية التكاليف والسطحية، حيث يرى أن حصولها على ترخيص رسمي سيزيد التكاليف المادية بشكل كبير، حتى أنها قد لا تستطيع مجاراة المكاتب المرخصة من حيث تكاليف الإدارة والتشغيل.

وعلاوةً على ذلك، فإن بعض هذه الشبكات تعمل من المنازل أو ببنية تحتية بسيطة، مما يجعلها غير قادرة على تقديم الضمانات المالية والقانونية المطلوبة، الأمر الذي قد يوقع الشباب

المتسرّع بفخ الاحتيال في الكثير من الحالات التي تشبه حالة الشاب محمود.

وجهة نظر قانونية

يشير المحامي “مؤمن كلاس” لـ “هاشتاغ” إلى أنه وبغض النظر عن سبب عدم حصولها على الترخيص، فإن بعض هذه الشبكات لا تزال تستغل حاجة الشباب إلى السفر للخارج وتقدم لهم فرصاً وأموراً زائفة تجذبهم.

ويضيف: “قد يروّجون لفرص عمل مغرية في دول خارجية ويشعرون الشاب بأنه سيحتل وظيفة جيدة وسيحقق نجاحاً كبيراً في حال سافر معهم، قد يستغلون أيضاً أحلام الشباب في حياة أفضل وتحسين ظروفهم المعيشية”.

ويتابع: “يجد العديد من هؤلاء الشباب أنفسهم في مفاجآت غير سارة بعد السفر، قد يكونون مضطرين للعمل في ظروف قاسية، بأجور ضئيلة وبدون حقوق عمال وتأمينات صحية، قد يصبحون أشخاصاً غير شرعيين في البلدان التي وصلوا إليها، مما يعرِّضهم لخطر الاستغلال والإقصاء”.

ويرى كلاس أن دور القضاء في هذا الملف محدود، نظراً لأن تلك الشبكات وهمية، وبحسب قوله “بتضرب ضربتها وبتهرب”، مبيناً أن هذا الأمر يقع على عاتق الأجهزة الأمنية وبالتحديد الأفرع المتخصصة بأمن المعلومات والاحتيال الإلكتروني.

Exit mobile version