السبت, يوليو 27, 2024
HashtagSyria
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخبارالرجل الذي فقد ظله

الرجل الذي فقد ظله

بقلم وليد معماري فقد المواطن عبد الله طبشني ظله قبل أيام… ويبدو أنه فقده قبل سنوات، ولم ينتبه لفقدانه إلا الآن.. أو أن الظل اضمحل يوماً بعد يوم طرداً مع اضمحلال القدرة الشرائية لراتبه.. بحث المواطن عبد الله طبشني عن ظله في كل مكان.. تحت ضوء الشمس نهاراً.. وضوء القمر ليلاً.. وبحث فوق السرير الذي ينام عليه، ولم يجد ظله.. وأيقن أنه لا يمكن أن تكون زوجته هي ظله.. فزوجته امرأة لها كعكة شعر فوق رأسها، أما هو فقد بدأ الصلع يغزو نافوخه..

فتش في خزائن البيت.. وفي أدراج مكتبه في لدائرة.. وفي الأنفاق التي حفرتها مؤسسات الهاتف والكهرباء والماء والصرف الصحي.. وفوق بلاط نهر بردى بعد أن بلطوه.. لكنه لم يجد ما يبحث عنه…

وكان عبد الله موقناً أنه لا يمكن أن يكون رجلاً مكتمل الرجولة بدون ظل.. ومع ذلك اضطر لسؤال زوجته السؤال الصعب: هل رأيت ظلي؟..

تساءلت الزوجة بدهشة: وهل كان لك ظل؟!..

أجابها: على ما أذكر، كان لي… ألا تذكرين أول يوم كنا عروسين.. وقلت لي: ما أطول ظلك!.. وكنت أنا يومها معلم ابتدائي، وأنت ضاربة آلة كاتبة في وزارة المالية.. وكيف بعد سنة من تداخل ظلي مع ظلك، استطعنا أن نوفر من راتبينا.. ونترك بيت الأجرة.. وننتقل إلى بيت دفعنا من ثمنه عشرة آلاف ليرة دفعة أولى.. ثم قسطنا الباقي على مدى سنتين، بمعدل ثلاثمئة ليرة في الشهر؟.. إي، أنا يومها أذكر حين دخلت وإياك إلى البيت كان لي ظل يمشي أمامي.. وأحياناً إلى يميني.. وأحياناً إلى يساري.. وأحياناً خلفي.

مظبوط – قالت الزوجة – وأيامها كنا نداوم في عملنا حتى الظهيرة.. وفي المساء نخرج لنزور الأقرباء والأصدقاء، أو لنقوم بنزهة، أو نذهب لنتعشى في مطعم.. وكنت أرى ظلك دائماً معك..

سأل عبد الله طبشني زوجته بلهفة: أين تعتقدين أنه اختفى؟..

لا تقل اختفى… على الأغلب أن ظلك هرب منك..

ولماذا يهرب ظلي مني؟ محتمل لقلة البروتين في طعامك.. أو أنه هرب لأنك مشغول دائماً بالبحث عن واحد يسلفك مبلغاً تدفع به فاتورة الهاتف والكهرباء، ولا تجده.. أو لأنك صرت تعمل عملاً إضافياً بعد الظهر.. وتعود منه متعباً بلا ظل.. أو لأن المحافظة الموقرة فرضت رسوماً إضافية على تسعين موضعاً من الخدمات، دون استشارة أحد من المواطنين الهفتانين… الحق عليك يا زوجي.. لأنك اتجهت إلى وظائف الحكومة، يوم كانت الأجور عليها قيمة.. وفي وظيفتك كنت (قابضها على الدوزيم)!..

سأل عبد الله: والآن ماذا سأفعل؟..قالت الزوجة: اذهب إلى المحافظ!..استدار عبد الله طبشني، وقال وهو (يشمِّر) عن ساعديه: لا.. لا.. أريد شخصاً أعلى..\r\n_ يعني.. وزير المالية؟!..

أعلى.. أعلى..إذن وزير الكهرباء. لا..لا.. أعـ.وهنا حان وقت التقنين المنضبط على أربع ساعات عتمة.. وساعتين نور.. واختفت كل الظلال من ثلاثة أرياع بيوت المدينة، تضامناًً مع عبد الله طبشني الذي أصاع ظله منذ زمن بعيد

مقالات ذات صلة