إذا لم نتمكن من ضبط اقتصاد أباطرة الظل، لن نتمكن من وضع السياسات التي يمكن أن تعمل على النحو المنشود.
هاشتاغ-راي-رشا سيروب
عند النظر إلى واقع الخدمات العامة في سورية، وعند تسارع عملية التخلي عن الدعم سواء “بشكل رسمي معلن” من خلال رفع أسعار السلع الأساسية، أو “بشكل غير رسمي وغير معلن” من خلال عدم انسيابية توافر السلع المدعومة، فلا مفرّ من الحديث عن التهرب الضريبي وبالتالي عن اقتصاد الظل، الذي يسمى أحياناً الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الخفي ومجموعة من التسميات المماثلة بألوان مختلفة.
لا يعتبر اقتصاد الظل أمراً غريباً أو طارئاً على الاقتصاد السوري، ولا يمكن القول أن وزارة المالية السورية غافلة أو جاهلة بضخامة حجم الاقتصاد الخفي، والذي اتضح جلياً من خلال رفع الإيرادات المتوقعة من ضرائب دخل القطاع الخاص بنسبة 275% في موازنة العام 2021 مقارنة بالعام 2020.
اقتصاد الظل – لا نتحدث هنا عن “اللون الأسود لاقتصاد الظل”- هو مجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي غالباً ما تكون قانونية ولكنها مخفية عن قصد عن السلطات الحكومية لتجنب دفع الضرائب ومساهمات الضمان الاجتماعي أو تجنب الاضطرار إلى الامتثال للمعايير القانونية (الحد الأدنى للأجور، الحد الأقصى لساعات العمل ، إلخ.) وكذلك تجنباً لبعض الالتزامات الإدارية والمتطلبات التنظيمية.
ورغم أن اقتصاد الظل في سورية كان -وما زال- من أهم “أركان الصمود الاقتصادي الأُسري والفردي”، وهو المؤسسة “الوحيدة” القادرة على الإجابة عن التساؤل “غير المشروع” من أين ينفق الشعب؟! لكن، على المستوى الكلي، انعكس في عدم صحة تقدير الحجم الحقيقي للاقتصاد.
ورغم صعوبة قياس حجم اقتصاد الظل، ومهما اختلفت التقديرات، غير أن نسبة الفرق بين الدخل المصرّح به والاستهلاك الفعلي كفيلة بإعطاء تصور واضح عن ضخامة حجم هذه الاقتصاد. وهو ما انعكس في تقليص القدرة المالية للدولة بشكل كبير.
حيث انخفض وسطي الإيردات الضريبية التقديرية (الضرائب والرسوم) إلى ما يقارب 4% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن بلغ 9.5% في سنوات ما قبل الحرب وتجاوز 17.5% في بداية الألفية الأولى من القرن الحادي والعشرين. مما شكل عبئاً ثقيلاً للغاية ندفع ثمنه يومياً.
ونظراً للأهمية الآنية لاقتصاد الظل على الصعيد الأسري والفردي، ونظراً لحجم الكارثة الاقتصادية والاجتماعية على صعيد الدولة والمجتمع على المدى المتوسط والطويل، يجب تصميم استراتيجيات كفيلة باكتشاف اقتصاد الظل وإدراجه ضمن السجلات الرسمية؛ وهذا يتطلب التركيز على سياسَتين متلازمتين: الأولى سياسة التثبيط أي زيادة التكاليف الناتجة عن إخفاء النشاط الاقتصادي، والثانية سياسة التشجيع أي تقليل الفوائد والفرص المستفاد منها بسبب إخفاء النشاط الاقتصادي.
فيما يتعلق بالتثبيط، تندرج هذه السياسة في زيادة الخطر الذي يمكن أن يتعرض له كل من يمارس نشاطاً غير معلن “ونخص على وجه الخصوص أباطرة الظل”، أي تعظيم منعكسات الكشف عن الاقتصاد الخفي، وبذلك تعمل هذه السياسة كرادع لإخفاء الأنشطة، لكن في ظل ارتفاع معدلات الفساد قد تكون هذه السياسة غير فاعلة.
وفيما يتعلق بالتشجيع، يجب تشجيع الانتقال من اقتصاد الظل إلى الاقتصاد الرسمي، بما في ذلك الإعفاءات المالية، بالمقابل يجب أيضاً العمل على منع الناس من الانتقال من الاقتصاد الرسمي إلى اقتصاد الظل، الذي يعتبر إجراءاً وقائياً بطبيعته، وهذا يتعين القيام بثلاثة إجراءات رئيسية: الحد من البيروقراطية الإدارية، وتشجيع الشمول المالي وتقييد المعاملات النقدية، وزيادة الوعي الاجتماعي بأن اقتصاد الظل وما ينجم عنه من تهرب ضريبي يضر بجودة الخدمات العامة، وهو أمر يمكن أن يكون أكثر فعالية من زيادة عمليات المراقبة أو فرض الغرامات.
في سياق الركود الاقتصادي المزمن ومع الحاجة الملحة إلى ضبط أوضاع المالية العامة، من الواضح أن اقتصاد الظل يعيق الاقتصاد. وأن رفع معدل الضرائب والرسوم يشكل ضرراً أكبر على النمو مقارنة بقاعدة ضريبية أكبر، أو من خلال إخراج أنشطة خفية أو ضمان امتثال أكبر للمتطلبات المالية الحالية