يتكرر على مسامعنا في الآونة الأخيرة مصطلح الصناعة”، إذ يعتبرها البعض عِماد الاقتصاد؛ وهم محقون إلى درجة كبيرة، فالصناعات على مر عقود لطالما كانت الرافد الأهم لاقتصادات أكثر الدول تقدماً.
هاشتاغ-رأي-محمد محمود هرشو
لكن؛ إلى هنا نحن نتكلم عن صناعة السلعة، وهذا تماماً ما تغير خلال العقدين الأخيرين، في محاولة واضحة وناجحة لتغيير شكل اقتصاد العالم ككل، بعد أن دخلت صناعة التكنولوجيا والخدمات اللذين رسخا في أذهاننا ضرورة “الصناعة” الأهم وهي صناعة الموارد البشرية، وهذا ما برعنا في هدمه فحصدنا تأثيره السلبي على “الصناعات” الأخرى .
خلال حديث ودي مع دبلوماسي مصري سابق، وهو أستاذ في القانون الدولي، لفتتني جرأته في طرح رأيه عن الوحدة بين سورية ومصر، وأتوقع أن جوابه هو الفكر السائد في ذهن الشعب السوري على اعتبار أنه كان المتضرر الأكبر، لكن عروبتنا ومحاولاتنا شعباً أولاً، ودولةً ثانياً للحفاظ على ما تبقى من الانتماء العربي يدفعنا لنخفي تلك الحقيقة في أذهاننا ولا نبوح بها.
الدبلوماسي المصري تحدث عن أن الوحدة بين سورية ومصر كانت من الأخطاء التاريخية، لأن سورية كانت آنذاك بلد صناعي بينما مصر بلد زراعي، ولو اهتم كلا البلدين في تطوير مجالاته لاستفاد أكثر بكثير، وهنا طال الحديث عن الآثار السلبية للتأميم على الصناعة، ومساهمته في تدميرها، لأشاركه ممازجاً عن آثار المكتب الأول والثاني اللذين تطورا وأصبحا قلاعاً في كلا الدولتين، كوننا شعوب نبرع في تطوير بيع الوطنيات وتسجيل الأهداف الوطنية في مرمى خصومنا السياسيين.
يعتقد البعض أن الصناعة تستطيع بعد كل هذا التطور العالمي والتخلف المحلي أن تسهم في تعافي الاقتصاد، وعلى النقيض، يعتقد آخرون أن وارد الخدمات؛ مع التركيز على خدمات الإطعام والفندقة هي مقياس لتنامي الاقتصاد المحلي، وأن السيولة النقدية التي يتم جمعها هي مؤشر النقد المدور في أيدي الشعب.
على الصعيد الشخصي، وطبقاً لظروف الزمان والمكان أخالف الرأيين، فلا الأول متاح ولا الثاني صحيح، وهذا ليس تنجيماً أو ادّعاءاً بالمعرفة، وإنما واقعٌ يشاهده بأم العين كل من لا يسعى لحجب الشمس بالغربال.
لاشك أنه في الاقتصاد لا يمكن تعميم تجربة كانت ناجحة في بلد ما على آخر، ولا قواعد دُرِّست في الجامعات حرفياً على الحياة العملية، كذلك لا يمكن لتجارب شخصية؛ سواء كانت تفصيلية أو عريضة حكومية أن تصبح إمامة لرسم سياسات مالية أو اقتصادية، وإنما نحن بحاجة لتفصيل اقتصاد هو مزيج من كل ذلك (تشاركي) واضح المعالم والرؤى. ولهذا بالطبع أبعاد تنموية اقتصادياً وسياسياً، فلا يمكن تجاهل تأثير السياسة على الاقتصاد، والعكس صحيح.
أما عن الصناعة، فأعتقد أن الصناعة الأهم حالياً هي ما نهدمه عن جهل متعمد يومياً، وهو صناعة الموارد البشرية، والتي باتت المورد الأهم في اقتصاد الدول، بدلالة أنه يمكن لفرد واحد أو مجموعة قليلة جداً من الأشخاص صناعة تطبيق الكتروني من السهل أن يكون رافداً اقتصادياً مهماً، وهذا ما لاندركه ولانعمل عليه، وإنما نبرع في صناعة الأساطير الوهمية والرموز البالية، حتى هذه لا نحافظ عليها، فلطالما هللنا وطبلنا وساهمنا في صناعة أصنام، وأمرنا بالطواف حولها ثم ما لبثنا أن حطمناها بأيدينا لا لشيئ، وإنما لأننا اكتشفنا أنها بالية وهدامة ! لكن بعد ماذا ؟! بعد كل الخراب الذي حل بنا نتيجة عبثية تلك الرموز التي صنعناها ! فلازلت أذكر عشرات الأسماء التي كان مسها نيلاً من هيبة الدولة، وكان لها مئات الطبالبين وباتت مشوهة بفعل فاعل، وغير كفؤة أو وطنية! ولكم في هؤلاء أسوةً حسنة يا أولي الكراسي حالياً !
وفي العودة الى الاقتصادات التي تلي الاقتصاد الأهم “الموارد البشرية” فإني أجد أنه في بلاد أنهكتها الحروب والتجارب والمطامع لابد من الاقتصاد “التقاسمي”، وهو الوحيد الذي يمكن أن يكون “تنموياً” حين نتحرك علمياً وعملياً وتشريعياً ونقدياً لتشجيع مشاريع صغيرة ومتوسطة، ويُفضّل الصناعية منها؛ لتكون بمثابة العمود الفقري والديمومة المالية للشعب.
بالمقابل نفتح اقتصاد الخدمات على مصراعيه، لكن حصراً للشركات الأجنبية، ونقوم بإنشاء شركات للمشاريع الاستراتيجية الأكثر ربحاً كالاتصالات والنفط، وهذه ستكون رافداً موازياً للخزينة بشكل قطاع خاص، وهنا لدينا ثلاثة أشكال لاقتصاد “الكعكة المقسمة” مع الضمان بعدم طمع الآكلين لأي من الثلث على حساب ثلث غيره، لتبقى القطاعات الثلاث ( الشعبية – الرديفة للحكومة – الأجنبية ) متوازية المسارات والمكاسب والعطاءات، وهنا أتوقع أن ننجح بإنشاء “اقتصاد ثقة” سيكون بالنتيجة مغرياً وجذاباً.
زجل
يا صانعاً مشكلات حلها بيدك.. ليس بالمزاح تصنع ناس لك
كن بنّاءاً تصنع الكثير لك..
وبالتخربب تشقى أنت وناسك
جدل
شتى مشكلاتنا تأتي من المزاج وأنصاف الحلول، وكأن ثمّة هرمونات تطغى على قراراتنا، فلا صناعة السلعة ولا الإنسان، وبالتالي الاقتصاد تُبنى بالمزاج، وإنما بالمعرفة والوضوح.
غزل
المرأة أم الصناعات، فهي تصنع المواقف والأدوات والنجاح، ومن دونها لا صناعة للحياة ولا إنتاج فيها.