لعل السياسة أسوأ النظريات التي وجدها الإنسان عبر التاريخ، وها نحن نعاني من مطباتها وخُبثها في بلد أنهكته الحروب، وضربت مجتمعه كل العيوب، وطمع به كل محتالٍ لعوب.
هاشتاغ-رأي-محمد محمود هرشو
نردد شعارات لا نعرف معناها، وقد لا نقتنع بها، ونتأمل بمفاوضات ليست لنا، يريد البعض أن يشغلنا بالدستور، ويتهم الآخرون بتعطيل الدستور.. هل نحن بحاجة إلى دستور؟ وهل كل البلدان المستقرة لها دساتير ؟، وهل بلدان العالم استقرت فوراً عقب الدساتير؟
دعونا نفكر بمنطقية ونبتعد عن الشعارات والنصوص المخطوطة مسبقاً، ونفكر لدقائق معدودة كمواطنين ،أين مشكلتنا؟ وما هو الحل الآن؟
يراود تفكيري هذا التساؤل يومياً، لاسيما عقب حدوث أي موقف (غير سياسي) اجتماعي عن أحوال الناس وما آلت إليه بعد حربٍٍ طاحنة، لأجد أننا بحاجة إلى “عقد” اجتماعي ينظم الحياة، ويكون نابعاً من عقلائنا، ومستقراً بأذهاننا ووجداننا.
لم تعد مشكلتنا بكل تأكيد بالعلاقة بين السلطة والمجتمع، ندرك ذلك حين نتذكر أن السلطات نابعة من قاعدة المجتمع، وكذلك ليست مشكلتنا بين موظف فاسد ومواطن صالح لديه حقا يريد الحصول عليه ضمن هذه الدائرة، وليس لدينا أي مشكلة بين مواطن يريد الحصول على حق الاستشفاء أو التعليم (وفق الدستور الحالي) وإدارات تمتنع عن ذلك.
كل ذلك وأكثر هو في متناول حياتنا، سواء في ظل الدستور الحالي أو ما قبله، ويمكن أن يكون في الدستور القادم بكل تأكيد.
العقود عادةً تنظم العلاقات ويقف أطرافها على الحقوق والواجبات بكل وضوح، نحن نعاني (ومن كل الأطراف) من مناداتنا بالحقوق دون تقديم الواجبات، وعادةً ما يفرض الطرف الأقوى نفسه على هذه النظرية بسبب غياب “العقد” المنظم لهذه العلاقة.
أين نحن من “العقد” الذي ينظم العلاقة بين طلاب المدارس وأساتذتهم، وأين نحن من “العقد” الذي ينظم العلاقة بين أصحاب العمل وعمالهم، وأين نحن من “العقد” الذي ينظم العلاقة بين الأحزاب وأعضائها، وكذلك بين الأحزاب والمجتمع من غير أعضائها، وأين نحن من العلاقة بين الجمعيات الأهلية ومحتاجيها، وأين نحن من “العقد” بين الريف والمدينة، وأين نحن من “العقد” بين القضاء والمتقاضين، وأين نحن من “العقد” بين الحقوق والواجبات كمواطنين؟!
عايشتُ خلال سنوات الحرب أمثلةً عمليةً عن كل الحالات المذكورة وأكثر بكثير، كم يؤلمني عندما يحدّثني أحد أبناء أصدقائي وهو في بداية شبابه ليقنعني بعدم وجود “عقد” بينه وبين البلاد، ولا يشعر بأي انتماء تجاهها، فهو من بدأ تعليمه حين كانت الحرب تضرب البلاد، ولم يعش التفاصيل الجميلة التي نذكرها خلال سنوات دراستنا، على النقيض يحدّثني شاب آخر في نفس العمر كان بصحبة أهله خارج البلاد خلال سنوات الأزمة ويقنعني ببساطة، بعدم وجود روابط بينه وبين بلاده!
ويحدثني صديق عن حجم الجرائم المرتكبة من قبل قُصّر، وفظاظتها لأتأكد أننا بحاجة إلى “عقد” مع هؤلاء.
وتروي لي إحدى الثرثارات عن حالات طلاق بين أزواج، لأسباب لم نكن نسمعها من قبل، ما يؤكد أننا بحاجة إلى “عقد” ينظم الحياة الزوجية مبني على الاحترام.
ويحكي لي صديق مستثمر لمشاريع هامة عن صعوبات كبرى يمكن أن يكون حلها بالتنظيم وعدم النظر إلى المستثمر كسارق لخيرات البلاد، لأستقر في التفكير إلى أننا بحاجة إلى “عقد” يوضح على الأقل شكل الاقتصاد.
الأمثلة كثيرة، وكلها تؤكد في فخواها على مقولة “كما تكونوا يولى عليكم”، لذلك اسمحوا لي هذه المرة أن أقول وبكل فظاظة: إن أردنا إصلاح البلاد فلنصلح أنفسنا بشكل فعلي بعيداً عن التنظير، ثم ننتقل إلى أسرنا، عندها فقط سيأتي يوم نكتب فيه عقداً اجتماعياً نابعاً من مبادئنا وتربيتنا، ونعيش في هذه البلاد الجميلة كما يحلو لنا.
زجل
لي في بلادي جرحٍ ضمدته
ولي في جراحي وطناً سكنته
جدل
نعيب زماننا والعيب فينا ،وما للزمان عيبٌ سوانا
غزل
العقد الوحيد مع المرأة هو نظرة العيون ،فعيونها تحكي الإيجاب والقبول ،وتنظم علاقات إن شاءت تكون لدقائق أو ساعات أو سنوات .