الأحد, يونيو 16, 2024
HashtagSyria
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةالإرهاب الاقتصادي (الحلقة الثالثة).. من بوابة الاقتصاد يُوأد السوريون

الإرهاب الاقتصادي (الحلقة الثالثة).. من بوابة الاقتصاد يُوأد السوريون

د. عصام التكروري

“عندما يتحولُ حليف الأمس إلى خصم اليوم يصبح أكثر شراسة من أي عدوٍ آخر لأنه سينتقم منك للحظات الجميلة كلها التي عشتها برفقته”، هذه المقولة ـ التي جاءت بلسان ابن رشد في فيلم “المصير” للمبدع يوسف شاهين ـ تكاد تلخص حال سوريا مع ثلة من الدول العربية والأوروبية التي كانت ـ حتى آذار 2011 ـ تصافيها الود في العلن بينما تشحذ في السر سكاكين استهدافها في سيادتها ووحدة أرضها وسلامة شعبها، إذ أصبحت لقمة الشعب السوري اليوم أسيرةً للتدابير الاقتصادية القهرية أحادية الجانب بنسختيها العربية والأوروبية متوّجة بذلك حقبة الإرهاب الاقتصادي الأمريكي بحق سوريا، حقبة افتتحتها واشنطن في عام 1974 بجملة من التدابير الأساسية، أضافت إليها واشنطن لاحقا حزمة من التدابير الثانوية التي لا تستهدف سوريا فحسب وإنما ـ في النحو الذي سنبينه ـ كل دولة في العالم تمدّ يد العون للسوريين ولو بالحد الأدنى من المساعدات التي تبقيهم على قيد الحياة.

أما فيما يخص الأشقاء العرب، ففي تشرين الثاني 2011، أعلنت الجامعة العربية فرض حزمة من التدابير الاقتصادية القهرية أحادية الجانب على سوريا، هذه التدابير شملت تجميد أصول الحكومة السورية المالية، وإنهاء التبادل المالي مع البنك المركزي السوري، وقف الخطوط الجوية بين دول الجامعة العربية وسوريا،وقف الاستثمارات من جانب دول الجامعة العربية في سوريا، فضلا عن الحظر المفروض على إقامة عدد من الشخصيات السورية، وفي الشهر نفسه من العام نفسه أعلنت تركيا أيضاً تجميد أصول الدولة السورية المالية.

هذه التدابير ـ والتي عارضها حينها كل من لبنان واليمن ـ ما زالت قائمة حتى اليوم، والمستغرب أنه في البيانات التي تصدر بين الحين والآخر عن جامعة الدول العربية (قمة البحرين الأخيرة على سبيل المثال) نلحظ أن الجامعة تطالب برفع التدابير الاقتصادية القهرية أحادية الجانب عن الشعب السوري، في حين أنها لا تتخذ الإجراءات الكفيلة برفع التدابير التي تفرضها هي نفسها منذ ثلاثة عشر عاماً وهذا يدلّ ـ وحتى ثبوت خلاف ذلك ـ التزام معظم “الإخوة” العرب بإرادة “الأخ” الأمريكي (قابيل) بدفن السوريين أحياء، بل وصل امتثال الأوربيين والعرب وسواهم للعقوبات الأمريكية حدا فاق تصور الأمريكان أنفسهم في النحو الذي سنبينه في الحلقات القادمة من هذه السلسلة.

التدابير الاقتصادية القهرية بنسختها العربية جاءت عقب فرض الاتحاد الأوروبي  ـ في آيار من عام 2011 ـ حزمته من التدابير والتي اشتملت على حظر شراء النفط السوري، وحظر بيع معدات لتطوير صناعة النفط السورية والخدمات ذات الصلة، وقيود على الاستثمارات في سوريا والحّد من قدرة المصارف السورية على العمل في الاتحاد الأوروبي، وتجميد أصول الحكومة السورية في الاتحاد الأوروبي وحظر تعامل الأشخاص والشركات من الاتحاد الأوروبي مع الحكومة السورية، بما في ذلك الشركات السورية المملوكة للدولة، مجموعة من العقوبات محّددة الهدف ضّد مسؤولين في الحكومة السورية وشركات وكيانات سورية مختلفة، تشمل تجميد أصول هذه الجهات في أوروبا كما تمنع شركات الاتحاد الأوروبي من مزاولة العمل معها.

هذه التدابير تخضع للمراجعة في حزيران من كل عام، وتنتهي بتجديد فرضها.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي تفرض ـ منذ سبعينيات القرن الماضي ـ نوعين من التدابير الاقتصادية القهرية الأحادية على الشعب السوري: تدابير أساسية وتدابير ثانوية.

أما التدابير الأساسية فتعني حظر الروابط التجارية والمالية كافة بين الولايات المتحدة وسوريا، أي أنها تحظر على المواطنين الأمريكيين والشركات الأمريكية مزاولة الأعمال التجارية مع الدولة السورية، كما تحظر  المعاملات  المالية التي تمّر عبر  النظام المالي الأميركي،  وبيع السلع أمريكية الصنع إلى سوريا، ويمكن إجمال التدابير الأساسية الأمريكية المفروضة على سوريا بما يلي : حظر تقديم المساعدات الخارجية الأمريكية إلى الحكومة السورية ومعارضة الولايات المتحدة الدعم الذي تقّدمه المؤسسات المالية الدولية إلى سوريا، وحظر الاتجار بالأسلحة الأمريكية مع سوريا، وحظر تصدير أو إعادة تصدير السلع الأمريكية  إلى سوريا، وحظر تصدير الخدمات الأمريكية إلى سوريا، وحظر استيراد الولايات المتحدة منتجات سوريّة معيّنة بما فيها النفط، القيود المالية والاستثمارية التي تحّظر الاستثمارات الأمريكية في سوريا والمعاملات المالية الأمريكية مع سوريا، تجميد أصول الحكومة السورية في الولايات المتحدة وحظر تعامل الأشخاص الأمريكيين والشركات الأمريكية مع الحكومة السورية، بما في ذلك الشركات السورية المملوكة للدولة، مجموعة من العقوبات محّددة الهدف ضّد مسؤولين في الحكومة السورية وشركات وكيانات سورية مختلفة.

هذا ويعد (قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية) الصادر في 12 ديسمبر/تشرين الثاني عام 2003 مثالا صارخا عن التدابير الأساسية، أهداف هذا القانون حددتها واشنطن بالتالي:

وضع حد لما تعده الولايات المتحدة دعما سورياً للإرهاب، وإنهاء الوجود السوري في لبنان، ووقف تطوير برنامج أسلحة الدمار الشامل المزعوم في سوريا، وقف استيراد سوريا غير المشروع للنفط العراقي، إنهاء شحن المواد العسكرية من سوريا إلى القوات المعادية للولايات المتحدة في العراق”.

أما التدابير الاقتصادية القهرية التي ارتأت واشنطن فرضها للوصول إلى هذه الأهداف فهي: حظر تصدير المواد المدرجة في قائمة الولايات المتحدة للذخائر وقائمة مراقبة التجارة، إضافة إلى حق الرئيس الأمريكي أن يختار تدبيرين أو أكثر من قائمة تضم ستة تدابير وهي:

– حظر تصدير منتجات الولايات المتحدة.

– حظر الشركات الأمريكية التي تستثمر أو تعمل في سوريا.

– تقييد سفر الدبلوماسيين السوريين العاملين في الولايات المتحدة إلى داخل دائرة نصف قطرها 25 ميلا.

– حظر على الناقلات الجوية السورية الإقلاع والهبوط والطيران فوق الولايات المتحدة.

– الحد من الاتصالات الدبلوماسية الأمريكية مع سوريا.

– منع الأشخاص الأمريكيين من الدخول في أي معاملات ملكية مع الحكومة السورية.

وينص القانون على الإعفاء من هذه العقوبات إذا قرر الرئيس أن مصلحة الأمن القومي الأمريكي تقتضي فعل ذلك، ويقدم الرئيس تقريراً إلى الكونغرس يوضح أسباب هذا القرار.

وافقت الإدارة الأمريكية على تنفيذ الحظر الذي قرره الكونغرس لتصدير الذخائر والمواد ذات الاستخدام المزدوج، وحظر تصدير المواد غير الغذائية والأدوية إلى سوريا، وحظر هبوط الطائرات السورية أو إقلاعها من الولايات المتحدة.

أما التدابير الثانوية فيُقصد بها تلك التدابير التي لا تُطبق فقط على الأمريكيين وحدهم في تعاملاتهم مع الدولة السوريّة، بل وتُفرض أيضا على معاملات الدول الثالثة مع سوريا، كحظر تعامل فئات معيّنة من الشركات الفرنسية، أو الألمانية، أو الروسية، والمثال الصارخ عنها هو ما سُمي بـ “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، وهو جزء من قانون تمويل موازنة الدفاع لعام 2020، والذي أقرّه الكونغرس الأمريكي في 17 كانون الأول من عام  2019، وأصدره الرئيس الأمريكي في 20 كانون الأول من العام نفسه، ودخل حيز التنفيذ في حزيران 2020 ، أما أهم التدابير الواردة فيه فتشمل:

عقوبات على الشركات غير الأمريكية التي تدعم أو تشارك في معاملات كبيرة مع الحكومة السورية، بما في ذلك الكيانات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة السورية.

عقوبات على الشركات غير الأمريكية التي تدعم أو تشارك في معاملات كبيرة مع الشركات أو الأفراد، أو الكيانات السورية الخاضعين للتدابير الاقتصادية القهرية أحادية الجانب الأمريكية، عقوبات على الشركات غير الأمريكية التي تدعم إنتاج النفط والغاز الخاص بالحكومة السورية.

عقوبات على الشركات غير الأمريكية التي تقّدم خدمات ملحوظة في مجال البناء والهندسة إلى الحكومة السورية.

عقوبات على الشركات غير الأمريكية التي تؤّمن طائرات أو قطع غيار معّدة للاستخدام العسكري في سوريا.

في الحلقة الرابعة من هذه السلسلة سنتناول مدى انتهاك التدابير الاقتصادية القهرية أحادية الجانب التشريعات الدولية النافذة.

مقالات ذات صلة