Site icon هاشتاغ

تفاصيل على هامش غزة

نضال الخضري

تفاصيل على هامش غزة

هاشتاغ-نضال الخضري

كلما ارتفع عدد الضحايا في غزة زادت التفاصيل التي طوقتنا قبل الحرب، وشكلت جزء من درب يقودنا نحو الصور التي يتفنن الإعلام في نقلها، فـ”إسرائيل” لا تقتلنا فقط إنما تنبش كل ما يرافقنا من صور مهدت الطريق لمصير من المآسي، وربما ارتسم في الأفق بيت شعر أطلقه نزار قباني قبل عقود عندما اهتز عالمنا عام 1967.. “لم يدخل اليهود من حدودنا.. وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا”.

تلك العيوب التي أصبحت مع الزمن قدر نتحايل عليه وهو يخلق عالمنا المشوه بقيم الهزيمة، فعندما “يتوحش” الجميع في التنكيل بنا يدرك البعض أننا فقدنا تقديرنا لذاتنا بينما يتغنى الآخرون بـ”لذة انتصار” عابرة، فهزائمنا تبدأ من ثقافة تضعنا دون الآخر، وتجعل “المحاكم الشرعية” قيمة على علاقتنا المحنطة في زمن الذكاء الصنعي، فنحن نراقب الحرب في غزة ونتصور الغزوات وأمجاد “فتوحات الواقدي”، بينما يرقد المستقبل في زاوية منسية وكأن الزمن انتهى على رمال الصحراء الحارقة.

أقرأ المزيد: ثمن الموت.. والصمت

كل المجازر الإسرائيلية هي ألوان قاتمة لصراعنا منذ بداية القرن العشرين، أو حتى قبل ذلك بكثير عندما انتهى تاريخ “الفتوح” وبدأ زمن “الاستعمار”، وبين “الفتح” و “الاستعمار” ثورات فكرية وسياسية، وصور لعالم لا تضطر فيه المرأة لـ”ولي أمر”، ولا يحتاج فيه الرجل لـ”صك غفران” حتى يعيش بسلام، فـ”الاستعمار” الذي قهرنا هو صورة لعجزنا عن كسر القيم التي انهارت بعد أن سقطت بلاد الشام في معركة “مرج دابق”.

في غزة اليوم “عداد” قتل يستنكره العالم بينما السياسة تستمر وكأنها خلفية ضرورية لمشهد المآسي اليومي، وكل الإدانات التي نشهدها هي مواقف لثقافات انتجت نخبا ترانا في مساحة الموت فقط، فلا الهيئات الدولية ولا حتى الحشود الغاضبة قادرة على كسر الموت المتنقل ما لم ندخل زمنا مختلفا؛ ينتهي فيه “حكم الماضي”، ويتحول التاريخ إلى حالة معرفية لا تحكمنا.

أقرأ المزيد: وهم لصور الحرب

حروب المستقبل التي علينا أن نخوضها هي في كسر جدران السجن الذي حشرنا أنفسنا داخله، فأنتج سجونا مختلفة وربما أتاح جعل غزة سجنا يختصر كل مأساتنا وعدم قدرتنا على جعل الحرية مساحة للمستقبل بدل كونها نافذة نهرب منها باتجاه الماضي، فلغزة صورة لا يمكن تجاوزها لأنها تسابق الموت نحو كسر تفكيرنا بمستقبلنا الأسير داخل أسوار من أوهام مختلفة.

حروبنا محكومة بالفشل لأن الشجاعة والإيمان لا يكفيان للنصر.. ومقارعة العدو لا يمكنها أن تقودنا إلى أفق جديد لأننا نحاربه ونحن مكبلون بأوهام مركبة من تجارب الماضي ورعب الحاضر، فالحرب التي نشهدها هي وجودنا في المستقبل وليست على هوية من ماض لا يراه أحد، بينما نغرق نحن في تفاصيله، فمعاركنا القاسية ربما تبدأ بنهاية سلسلة قيم تعكس ذاتها في كل الفوضى التي نراها في حياتنا، وعندها نستطيع النظر إلى “إسرائيل” على أنها زمن انتهى لأن النصر يبدأ من العقل أولا وأخيرا.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version