هاشتاغ سوريا- رشا سيروب
الهجرة من الأوطان ليست في جميع حالتها هجرة طوعية وليدة الرغبة الذاتية للفرد، وإنما في معظم حالاتها هي هجرة اضطرارية وقسرية، تنشأ من خلال البحث عن “أمن اقتصادي” أو “أمن اجتماعي” أو “أمن وجودي” .. وغيره من مبررات ومحفزات الخروج.
غير أن أخطر أنواع الهجرة هي الهجرة الناجمة عن “الاغتراب داخل الأوطان”، وشعور أصحاب الخبرات والكفاءات والقيم بالغربة في أوطانهم، مما اضطرهم للبحث عن “وطن بديل” يحسن معاملتهم ويوفر لهم كافة متطلبات احترام الذات ويستفيد من علمهم وخبراتهم وقدراتهم.
ذكر أن فيلسوفاً اقترف ذنباً، فعلم به سليمان الحكيم فطلبه للمحاكمة، وبعد نقاش نطق حكمه قائلاً (سنحكم عليك حكماً أقوى من الموت)، سأل الفيلسوف ما هو؟!! فأجاب سليمان الحكيم (حكمنا عليك أن تقيم بين قوم يجهلون قدرك).
وهذا ما عانى -ويعاني- منه ذوو الكفاءات وأصحاب القيم ما قبل الحرب، أضف عليها سنون الحرب وقسوتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتي كانت السبب الرئيس في زيادة السوريين الذين وجدوا في الخارج “وطناً بديلاً” وملاذاً آمناً، وأصبح السوري في الشتات بين “مهاجر” و “لاجئ” و”إقامة مؤقتة” والعديد من المسميات.. لكن النتيجة واحدة، وهي خزان بشري ضخم خارج الحدود السورية.
عُقد منذ عدة أيام مؤتمراً حول “عودة اللاجئين السوريين”، على الرغم من أهميته وضرورته إلا أن من غادر سورية لسبب أمني أو دافع مادي سيعود “دون الحاجة للمؤتمرات” إن انتفت مصالحه المؤقتة “والمحقة” في الخارج واستطاع تحقيقها في الداخل، لكن من غادر سورية بسبب الاغتراب الداخلي، كيف نضمن عودته؟
نتيجة “الاغتراب داخل الوطن” قدمت سورية هدية مجانية للدول الأخرى، وساهمت في توسيع الفجوة التنموية بينها وبين الدول الأخرى، وأخرّت بشكل أو بآخر عملية إعادة البناء بأقل التكاليف الممكنة.
سورية هي الخاسر الأكبر من هجرة كفاءاتها وعقول مواطنيها، وتتضاعف هذه الخسارة لتصبح أكثر خطورة نتيجة ازدياد عدد المهاجرين، حيث أن أكثر الذين يستجيبون للهجرة هم من فئة الشباب، والكفاءات والمتعلمين والمهرة في معظم التخصصات.
وكي نقلص قدر الإمكان من مقدار الخسارة ينبغي العمل على ثلاث مستويات بالتوازي:
المستوى الأول: وضع الإجراءات والسياسات التي تكفل الحفاظ على من بقي من أصحاب الكفاءات والأدمغة داخل سورية، وذلك يتطلب وضع الحلول للمشاكل والأسباب المحفزة للهجرة.
المستوى الثاني: وضع الإجراءات والسياسات التي يمكن أن تشجع المهاجرين من أصحاب الكفاءات والمهارات في العودة إلى سورية كي يساهموا في عملية التطوير والبناء.
المستوى الثالث: وضع الإجراءات والسياسات التي تمكننا من الاستفادة من أصحاب الكفاءات والخبرات المهاجرة في حال رفضهم العودة أو نتييجة عدم توافر الظروف التي تلائمهم.
وباعتبار أن الحكومة تجيد ذكر أرقام الدعم والنفقات، حبذا لو حسبت التكلفة الاقتصادية والاجتماعية “المباشرة وغير المباشرة” الناجمة عن “الاغتراب داخل الأوطان” وكم تبلغ تكلفة ترميم الفجوة المعرفية والمهنية، وما هو إجمالي الفرص البديلة التي خسرتها، لوجدت أنها تمثل عشرات أضعاف المليارات في الخارج.