تعاني اليابان مشكلة انخفاض المواليد وقلة أطفالها، إذ وصل عدد من هم دون سن 14 إلى مستوى متدن، وأظهرت بيانات حكومية تراجعاً حاداً في المواليد إلى مستويات قياسية هي الأدنى منذ أكثر من قرن.
كما أن عزوف الأزواج عن الإنجاب، لم يقتصر على بلاد الساموراي وحسب، فدول الشرق الآسيوي، هونغ كونغ، وكوريا الجنوبية وسنغافورة تترقب كارثة ديمغرافية تهدد اقتصاداتها، وموجة من المخاطر المتزامنة مع انخفاض معدلات النمو، وتذبذب نسب القوى العاملة وانكماش فئة الشباب في تلك المجتمعات. فيما تسعى الحكومات المتعاقبة إلى تحفيز مواطنيها على الإنجاب بطرق عدة.
دولة هَرِمة
تواجه اليابان أزمة ديمغرافية حقيقية فنسبة المسنين في تزايد، كما يذكر البنك الدولي أن معدل الأطفال يقارب 12في المئة، ما يجعلها في المرتبة الثانية عالمياً كأقل الدول أطفالاً بعد هونغ كونغ.
وبحسب إحصائية حديثة، فإن اليابان هي الأولى عالمياً من حيث نسبة الشيخوخة، اذ وصلت أعمار من تزيد أعمارهم على 65 سنة إلى 28 في المئة من إجمالي السكان، وتتوقع دراسات بأن تتزايد هذه النسبة إلى 40 في المئة في 2060. فيما تجاوزت وفيات البلد مواليده بأكثر من نصف مليون شخص.
وترجع الأسباب التي أدت إلى عدم التفكير في الزواج أو العزوف عن الإنجاب، إلى عدم استقرار الوظائف، وتشير التحليلات بأن غالبية الشباب يعملون في وظائف مؤقتة، ما يجعل فرصهم منخفضة في الزواج. ويوضح تقرير لمركز الشرق والغرب الأميركي وجود فروق جندرية بين الرجل والمرأة في منظومة الزواج اليابانية في ما يخص الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، ما يجعل الزواج أمراً غير جذاب للنساء اليابانيات. إضافة إلى تغير القيم الحياتية والاجتماعية والتأخر في الزواج أو العزوف عنه تماماً.
وتركز اهتمام الحكومة منذ التسعينيات مع بداية انخفاض معدلات المواليد والإنجاب على توسيع سياسات الأسرة وبرامجها، وتقديم الحكومات المتعاقبة الدعم للأسر الشابة من خلال ثلاث اتجاهات، فهناك مساعدات مالية للعائلات، وتوسع متزايد في أحكام الإجازات بعد الولادة، إضافة إلى خدمات رعاية الأطفال المدعومة.
كما وضعت الحكومة السابقة بقيادة شينزو آبي هدفاً للبلاد برفع معدلات الخصوبة إلى 1.8 في عام 2025، غير أن المعدل للعام الحالي يقدر بـ1.3، ما يجعل خطط الحكومة بعيدة من التطبيق الفعلي حتى الآن. كما رسمت الحكومة الحالية خططاً جديدة لمزيد من الدعم الاقتصادي في تربية الأطفال والإنجاب تتضمن تقليل الأعباء المالية للعلاج من أجل الإنجاب، وزيادة الحوافز المالية، والتوسع في برامج التعليم العالي المجاني وإجازات الحضانة. غير أن هذه الخطط، لم تبصر النور وبقيت مجرد اقتراحات لحاجتها لمزيد من الدعم المالي.
وعلى الرغم من كل المحاولات الحكومية لرفع معدلات الإنجاب، إلا أن جهات دولية ترى عدم كفايتها، فقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية ( OECD) إلى أن سياسات التوفيق بين العمل والأسرة وترتيبات العمل الصديقة للأسرة، ضعيفة وتحتاج مزيداً من الدعم من قِبل الدولة.
الجائحة وشبح الإنجاب
تعاني كوريا الجنوبية من تدني معدل الخصوبة، فهي الأقل عالمياً في معدلات الخصوبة وفقاً للمؤشرات الدولية، إذ تراجع معدلها عن العام الماضي حين كانت تايوان هي الأقل عالمياً. وتربط المؤشرات انخفاض معدلات الزواج بين الشباب وصعود الظاهرة الاجتماعية في كوريا الجنوبية بين الأجيال الجديدة المعروفة بـ “جيل سامبو”، التي تعني التخلي عن العلاقات والزواج والأطفال.
وتنفق كوريا الجنوبية مليارات الدولارات في محاولة لزيادة معدلات الخصوبة وزيادة أعداد المواليد لتفادي خطر الوقوع في أن تصبح مجتمعاً متقدماً في السن.
وتقدم الحكومة الكورية عدداً من البرامج للمتزوجين لتغطية مصاريف الحضانة والإجازات المدفوعة للأبوين لرعاية أطفالهم لمن هم أقل من خمس سنوات.
كما أطلقت الحكومة الكورية السابقة عام 2016، خريطة حرارية توضح نسب الزواج والمواليد والنساء في سن الإنجاب في كافة أنحاء البلاد، لتشجيع المنافسة بين مختلف الأقاليم، ولكن هذه الخطة قوبلت بالانتقاد من قبل النساء الكوريات اللواتي اتهمن الحكومة بنظرتها للنساء الكوريات كأداة للإنجاب فقط، فيما تراجعت الحكومة عن الخريطة الحرارية وتم سحبها.