أظهرت اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف مؤشرات لسرعة تبدل “المزاج السياسي” الإقليمي، فما اعتبر اختراقا قبل بدء الاجتماعات انتهى مع تطورات غير متوقعة.
هاشتاغ-رأي-مازن بلال
سواء عبر قصف قاعدة التنف، أو التفجير الذي شهدته دمشق وترافق مع تقارير إعلامية متنوعة؛ تناولت الوضع الاقتصادي وانتهاكات حقوق الإنسان، فاللجنة الدستورية التي تشكل توازنا قلقا بين الأطراف الدولية والإقليمية، وتشكيلتها تعبر عن امتداد أدوار مختلفة في عمق الأزمة السورية، لم تستطع استخدام الظرف السياسي ومحاولات التهدئة التي ظهرت على المسرح الدولي.
عمليا فإن مسألة عدم الثقة بين الأطراف السورية التي انعكست داخل أعمال اللجنة ليست جديدة.
وبالتأكيد لم يكن متوقعا إنجاز توافقات نهائية حول المبادئ الدستورية الأربع، إلا أن سرعة تأثر أعضاء اللجنة بالأحداث التي دارت خلال يومين فقط؛ تؤشر إلى عدم القدرة السياسية بالدرجة الأولى للأعضاء على التعامل مع احتمالات التحولات الإقليمية، فبداية أي توافق سوري تعني في النهاية تحييد الأدوار الإقليمية داخل الأزمة، وهو أمر لا تستطيع بعض الأطراف القبول به لأنها ترتكز بوجودها إلى هذه الأطراف.
يظهر ضمن اللجنة الدستورية وما حدث في مباحثاتها وعلى الأخص الأخيرة عدم الاستناد إلى بيئة سياسية، والرهان على التوازن الإقليمي فقط، فرغم أن سورية احتاجت دائما إلى توازن إقليمي لاستقرارها؛ لكن مثل هذا التوازن كان يستند إلى بيئة سياسية واضحة مهما كان وضع الأطراف السياسية الداخلية، بينما تبدو الصورة اليوم مختلفة في أمرين:
– الأول أن العديد من الأطراف الممثلة في اللجنة الدستورية تخضع لشرط الأزمة، فهي تخشى من التلاشي مع أي توازن خارج الصراع القائم حاليا، فهي موجودة ضمن حالة الاشتباك، فالمسألة هنا ليست انعدام ثقة إنما غياب التشكيلات السياسية المعبرة عن المجتمع السوري.
الأطراف الثلاث الموجودة في اللجنة الدستورية تتعامل مع واقع الاشتباك الحاصل، وليس مع ما سيشكله التوافق من بيئة سياسية جديدة، وهذه المنهجية يفرضها قرار مجلس الأمن 2254 الذي يتبع منهجية توافق افتراضية؛ تضع التمثيل السياسي وفق قوة الأدوار الإقليمية فقط، وهذا الأمر شكل منطق تفاوض مستقل عن الظرفين السياسي والاقتصادي للمجتمع السوري، ومن الصعب ضمن هذا التفكير الوصول إلى صياغة دستور يضمن استقرارا سياسيا مستداما.
– الثاني يرتبط بالنظام الإقليمي، فحتى اللحظة تراهن الأطراف الإقليمية على الأزمة السورية لحجز دورها المستقبلي إقليميا، ورغم أن السعودية على سبيل المثال باتت بعيدة ولو بشكل نسبي عن الأزمة السورية، إلا أن دولا مثل إيران وتركيا تنظر إلى نوعية الاستقرار السوري بشكل مختلف.
بالنسبة للأطراف الدولية مثل روسيا والولايات المتحدة فهي تتعامل مع الأزمة وفق صراع معقد، ولا تبدو سورية منطقة خطرة إلا بقدر ترتيب الحلفاء للدولتين في المنطقة، والمسألة في الأزمة السورية أن كلا من إيران وتركيا تملكان مشاكلهما الخاصة مع الإدارة الأمريكية، بينما تحاول موسكو ترتيب تهدئة مزدوجة تدخل ضمنها إسرائيل؛ هذا الأمر يجعل قدرة الأطراف الإقليمية على إبقاء الاشتباك أمرا واردا عبر التأثير على أطراف الأزمة السورية.
فشلت اللجنة الدستورية رغم بعض الانفراج في الأزمة، وهذا الأمر يمكن أن يتكرر في ظل التفكير السياسي الموجود في منطقة الاشتباك وليس في مستقبل سورية واستقرارها.